1887

Abstract

تتفق الدراسات الحديثة المتعلقة باللغة على اختلاف أنساقها المعرفية؛ اللسانية والإثنية والأنثروبولوجية والثقافية، على أن اللغة الإنسانية ليست كائناً فارغاً، وليست أداةً محايدة أو قوالبَ مصمتةً خاليةً من أي مواقف خاصة، بل هي مظهر من مظاهرِ الوعي تَجَسَّدَ لغةً؛ فإذا كانت الوظيفتان الأساسيتان لِلّغة هما التمثيل والتواصل فإن التحيّزات تسري فيهما معاً، فلا يستقيم تمثيل العالم من دون موقفٍ منه، أو وجهة نظر، أو زاوية رؤية، وهذه كلها بوابات مُشرعة للهويّات _ على أساس أن جوهر الهوية وجودُ موقفٍ متميّز من العالم. يُضاف إلى ذلك أن التواصل مع الآخرين سيستعمل أداة التمثيل نفسها: اللغة، وبكلام آخر: “إذا اختُزِل استعمال الناس للغة _بطريقة تحليلية_ في كيفية تشكيل المعنى وتمثيله في صوت، أو في كيفية إيصاله من شخص إلى آخر، أو حتى فيهما معاً، فإن ثمّة شيئاً حيوياً قد استُخلِص: إنهم الناس أنفسهم، إنهم حاضرون دوماً في ما يقولون، وفي الفهم الذي يبنونه على ما يقوله غيرهم. إن هويّتهم تتأصّل في صوتهم، ويكون ذلك ملفوظاً، أو مكتوباً، أو موقّعاً

والأصل الذي بُني عليه هذا التصور الخاص بوعي الجماعة الكامن في اللغة، يقوم على الأساس الفلسفي الذي يقعّد لطبيعة العلاقة بين الدال والمدلول ومحاولة الربط بينهما؛ وهي محاولة « ليست سهلة ولا آلية ولا حتمية، فهي تمر عبر الزمان والمكان الإنسانيين، وهي علاقة تبدأ في عقل الإنسان وقلبه…وتنتهي في عقل الإنسان وقلبه…فثمة مسافة طويلة من الأحلام والأوهام والرغبات والأهواء والأفكار والمصالح تفصل بين الدال والمدلول... ولابد من الاختيار بين عدد لا حصر له من الدال للإخبار عن مدلول مركّب متشابك مع عدد لا حصر له من المدلولات. وعملية الاختيار تعني إبقاء وتأكيد واستبعاد وتهميش، اختيار أو تأكيد لمعنى، واستبعاد أو تهميش لآخر، واختيار أو تأكيد لدال، واستبعاد أو تهميش لآخر، أي أنه لا يوجد تلاقٍ آلي أو تلاحُمٍ ضروري وعضوي بين الدال والمدلول، وإنما هناك حتمية الاختيار أو الاجتهاد الإنساني، في محاولة مزاوجة الدوال بالمدلولات، وهي عملية تتضمّن قدراً من التحيّز لدال على حساب آخر، ولجانب من المدلول على حساب جانب آخر». فإذا كان الدال هو الرمز اللغوي، والمدلول هو المعنى الذي يدل عليه فلابد من الإشارة _ كما هو معروف_ إلى أن هذا المعنى لا يتطابق تمام المطابقة مع الموضوع الواقعي المتعيّن الذي يُفتَرَض أن يمثله، بل هو ينقل وجهة نظر الجماعة التي صكته تجاه هذا الموضوع المتعيّن وموقفها منه، ولذلك فإن ثمة مسافة بين الدال والمدلول هي المسافة التي يقع فيها تحيز الجماعة الثقافية، وليست هذه المسافة من الاتساع بحيث يتم الافتراق بينهما على نحو نهائي، كما أنها ليست من القرب بحيث يتحدان

إن مثل هذه المقدمات التي تؤسس لطبيعة العلاقة بين الدال والمدلول داخل اللغة والفكر تؤدي إلى نتيجة حتمية، وقاعدة أساسية مفادُها أن كل لغة تحمل في طياتها _بوعي متكلميها أو بغير وعيهم_ موقف الجماعة التي صكتها أو الأمة التي تمثلها، أي إنها تحمل هويتهم المميزة التي تعكس موقفهم من العالم. وكل اللغات في هذا الأمر سواء، بائدها وقائمها. وليست العربية بمنأى عن هذه اللغات، مما يعني أنها هي أيضاً تحمل في بنيتها هوية الجماعة التي تعبر عنها؛ أي الهوية العربية-الإسلامية

وتفترض هذه الدراسة أن بنية الهوية العربية الإسلامية وبنية اللغة العربية كلاهما قائم على نظام معياري، مما سينبني عليه أن العربية وحدها قادرة على تمثيل الهوية الإسلامية دون باقي اللغات الإنسانية. فإذا كان الأمر كذلك بدا من الضروري الأخذ بعين الاعتبار هذه النتائج أثناء وضع السياسات اللغوية للمجتمعات والدول العربية لما لذلك من أثر في تهديد هويتها وانتمائها

Loading

Article metrics loading...

/content/papers/10.5339/qfarc.2016.SSHAPP2833
2016-03-21
2024-03-28
Loading full text...

Full text loading...

http://instance.metastore.ingenta.com/content/papers/10.5339/qfarc.2016.SSHAPP2833
Loading
This is a required field
Please enter a valid email address
Approval was a Success
Invalid data
An Error Occurred
Approval was partially successful, following selected items could not be processed due to error